لمن في مكة وضواحيها من سكان الحجاز الحاضر منهم والباد: نحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو رب البيت العتيق. ونصلي ونسلم على خاتم أنبيائه محمد صلى الله عليه وسلم :
وها نحن أولا بعد أن بلغنا حرم الله نوضح لكم الخطة التي سنسير عليها في هذه الديار المقدسة لتكون معلومة عند الجميع، فنقول:
عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود
الدعوة للشورى:
في يوم الجمعة الموافق للثاني والعشرين من شهر جمادى الأولى سنة 1343هـ، التقى السلطان عبد العزيز بعلماء البلد الحرام؛ للتشاور في الشكل الذي ينبغي لإدارة البلاد، ومما قاله في ذلك اللقاء:(إنني كثير الاهتمام براحتكم، وأفكر دائماً في الطرق التي تمكنني من خدمتكم الخدمة الحقيقية، والتي تؤمن لكم ولعموم أهل هذا البلد المطهر الراحة والاطمئنان، وإن كثرة مشاغلي بتنظيم الأمور في هذه الديار، وفي غيرها من بلداننا تجعل وقتي يقصر عن سماع شكاوى كل فرد منكم ومعرفة حاجاته، لاشك أن بلداً كهذا البلد الكبير الواسع يحتاج لكثير من الأمور والأحوال، ولا يمكنني الوقوف عليها بنفسي منفرداً، ولا أريد أن أستأثر بالأمر في بلادكم دونكم وإنما أريد مشورتكم في جميع الأمور.
تقول العرب إن الرجال ثلاثة: رجل، ونصف رجل، ولا رجل، فأما الرجل الذي عنده رأي، ويستشير الناس في أموره. ونصف الرجل من ليس عنده رأي، ويستشير الناس. وليس برجل من ليس عنده رأي، ولا يستشير الناس.
وأن دياراً كدياركم تحتاج لاهتمام زائد في إدارة شؤونها، وعندنا مثل يعرفه الناس جميعاً، وهو أن "أهل مكة أدرى بشعابها"؛ فأنتم أعلم ببلدكم من البعيدين عنكم، وما أرى لكم أحسن من أن تلقى مسؤوليات الأعمال على عواتقكم، وأريد منكم أن تعينوا وقتاً يجتمع فيه نخبة العلماء، ونخبة الأعيان، ونخبة التجار جميعاً، وينتخب كل صنف من هؤلاء عدداً معيناً كما ترضون وتقررون، وذلك بموجب أوراق تمضونها من المجتمعين بأنهم ارتضوا أولئك النفر لإدارة مصالحهم العامة، والنظر في شؤونهم ثم هؤلاء الأشخاص يستلمون زمام الأمور، فيعينون لأنفسهم أوقاتاً معينة يجتمعون فيها، ويقررون ما فيه المصلحة لبلد. وجميع شكايات الناس، أو مطالباتهم يجب أن يكون مرجعها هؤلاء النخبة من الناس، ويكونون أيضاً الواسطة بين الأهلين وبيننا؛ فهم عيون لي وآذان للناس يسمعون شكاويهم، وينظرون فيها ثم يراجعونني.
إني أريد من الهيئة التي ستجتمع لانتخاب الأشخاص المطلوبين أن يتحروا المصلحة العامة، ويقدموها على كل شيء؛ فينتخبوا أهل الجدارة واللياقة الذين يغارون على المصالح العامة، ولا يقدمون عليها مصالحهم الخاصة، ويكونون من أهل الغيرة والحمية والتقوى.
تجدون بعض الحكومات تجعل لها مجالس للاستشارة، ولكن كثيراً من تلك المجالس تكون وهمية أكثر منها حقيقية، تشكل ليقال أن هناك مجالس، وهيئات ويكون العمل بيد شخص واحد، وينسب العمل للمجموع.
أما أنا فلا أريد من هذا المجلس الذي أدعوكم لانتخابه أشكالاً وهمية، وإنما أريد شكلاً حقيقياً يجتمع فيه رجال حقيقيون، يعملون جهدهم في تحري المصلحة العامة.
لا أريد أوهاماً وإنما أريد حقائق أريد رجالاً يعملون. فإذا اجتمع أولئك المنتخبون وأشكل علي أمر من الأمور، رجعت إليهم في جلسة، وعملت بمشورتهم، وتكون ذمتي سالمة والمسؤولية عليهم، وأريد منهم أن يعملوا بما يجدون فيه المصلحة، وليس لأحد من الذين هم من طرفي سلطة عليهم ولا على غيرهم.
وأريد الصراحة في القول لأن ثلاثة أكرههم، ولا أقبلهم: رجل كذاب يكذب علي عن تعمد، ورجل ذو هوى، ورجل متملق، فهؤلاء أبغض الناس عندي.
فأرجوكم بعد هذا المجلس أن تجتمعوا بالسرعة الممكنة وذلك بعد أن تنظموا قائمة بأسماء الذين سيجتمعون من كل صنف من الأصناف الثلاثة، لأقابلهم على القائمة التي عندي فأتحقق من أن جميع أهل الرأي اشتركوا في انتخاب المطلوبين.
وأرجوكم العجلة في العمل لأمتع نفسي برؤية هذه البلاد المطهرة تتمشى في حياة جديدة، ويسرني أن يكون ذلك بواسطتنا.
هذه الدعوة الواضحة، تدل على مدى حرص السلطان عبد العزيز على الشورى في جميع أموره، وما يجب أن يكون عليه المنتخب من دين، وأمانة، وخلق، وعلم، وحرص كذلك على أن يشكل أولئك المنتخبون جميع فئات المجتمع. وأن يكون لهم دور فاعل في بناء البلاد، لا حاملي شعارات، وهي بداية وضع أسس دولة إسلامية مميزة في بنائها وفق العقيدة الإسلامية الصحيحة.
إن وقع هذه الكلمات البسيطة، البعيدة عن العبارات، والخطب المنمقة، جعلت المجتمعين يقرّون: أن هذا حكم شورى الذي جاء به القرآن الكريم، وقابلوه بالشكر والحمد والثناء.
كما أن كلماته وخطبه دائماً، تحمل الكثير من النصح والإرشاد، والمواعظ، وضرورة التمسك بالكتاب والسنة، وعقيدة السلف الصالح، ففيها تربية، وعلم، وإصلاح وحسن توجيه، وسعة أفق واطلاع.